الخميس، 21 سبتمبر 2017


في العام السادس عشر من #الهجرة_النبوية المباركة 
صدر مرسوم عُمري عظيم يؤكد عظمة جيل تربى في حجر النبوة ونهل من نبعها الصافي. 
فها هو أمير المؤمنين #عمر_بن_الخطاب رضي الله عنه يتخذ قراراً ويصدر به أمراً أن يتعامل المسلمون بالتاريخ الهجري، ويتركوا ما سواه من التاريخ، 
فأصبح #التاريخ_الهجري منذ تلك اللحظة هو المقدم عند المسلمين، يؤرخون به للأحداث، يردون اليه ويصدرون عنه. 
ومما لا شك فيه أن هذا القرار العمري يعد أحد إبداعات العبقري الفذ الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ويتجلى هذا الإبداع بأن جعل (الهجرة النبوية) هي بداية التأريخ عند أمة الإسلام، 
لأنها - أي الهجرة - كانت الانطلاقة الحقيقية لدولة الإسلام، وتدعيم ركائزها. 
واثبات وجودها، وفرض سلطانها على من حولها، ثم الانطلاق إلى العالمية لنشر الدين الإسلامي في شتى بقاع المعمورة... 
فما أعظم أن يدرك المسلمون عظمة هذا التاريخ، الذي ربطهم بأعظم حدث جعلهم ظاهرين على الناس، لكنهم مع مرور الأيام والسنين يتناسون في غمرة الأحداث والانشغالات هذه الحقيقة ويقتصر ارتباطهم بالعام الهجري بمجرد تهنئة بعضهم البعض بقدومه... 
دون أن يكلف أحدهم نفسه - إلا من رحم ربي - عناء التفكير في حكمة القرار العمري، ولماذا ارتبط التأريخ بالهجرة...؟ 
انها قضية تحتاج إلى وقفات مع نهاية عام هجري وقدوم عام جديد... 

" وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين "

ما أسرع تصرم الأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، كيف مضى عام بهذه السرعة؟
كنا بالأمس في أول العام، ونحن اليوم في منتهاه، بل قد انقضى ودخل غيره!!
هل ذهبت بركة الأوقات فلم نشعر بتصرِّمها؟!
أم أننا قد أدركنا علامة من علامات الساعة؟! 
تكون السنة فيها كالشهر؟
تدور عجلة الزمن بسرعة مذهلة ترتجف منها القلوب الحية، ذلك أن المسلم يكاد يطيش عقله عندما يقف مع نفسه محاسباً: 
ماذا قدّم فيما انقضى من أيام عمره ولياليه؟؟ ويزداد خوفاً وفرقاً عندما يستحضر ما رواه الترمذي وابن ماجة وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
(أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك).

فيا الله ما أقصر الأعمار.... !!! تبلغ الستين أو السبعين أو الثمانين أو المئة، ثم تنتهي من الدنيا وتنتقل إلى الآخرة، وهذا إن لم تتخطفك المنون في سن الشباب أو الكهولة....!!!!

فهاهو عامنا الهجري.يجمع أطرافه ويلم أوراقه ويربط حقائبه 
ثم يودعنا راحلاً بما حوى بين جنباته من أفراح وأتراح وآلام وآمال
فكم سعد فيه من أناس وكم شقي فيه من آخرين،
كم من دمعات انحدرت فرحاً باللقاء،
وكم من عبرات سكبت من لوعة الفراق....
مرت سنون بالوئام وبالهناء فكـأننا وكـأنها أيــام
ثم أعقبت أيام سوء بعدها فكأننا وكـأنها أعــوام

فكم من لحظات جميلة حلوة كالشهد طعماً، وهنيئة لذيذة كالماء البارد على الكبد العطشى، وكم من مناسبات يطير لها القلب شوقاً وفرحاً، ومواقف وأحداث يحبها الإنسان، وددنا أنها تتكرر وتدوم... 

ولكن الله يفعل مايشاء ويحكم مايريد. 

يقول أبو البقاء الرندي:
لكل شيء اذا ما تم نقصان = فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الأمور كما شاهدتها دول = من سره زمن ساءته أزمان 
وهذه الدار لاتبقي على أحد = ولايدوم على حال لها شان

فكم من قريب في هذا العام ودعناه بعبرات حرّى ودموع مهراقة، بعد أن واريناه التراب، وكم من صديق عزيز عظم فيه المصاب فلله الأمر من قبل ومن بعد.
فالمقصود أن هذا العام قد انصرم وكل لحظة منه تباعدنا عن الدنيا وتقربنا من الآخرة:

قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة. 
قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ. 
فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. 
قال الفضيل: أتعرف تفسير قول: إنا لله وإنا إليه راجعون !!؟
فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف،
فليعلم أنه مسؤول، فليعد للسؤال جوابا، 
فقال الرجل: فما الحيلة؟ 
قال: يسيرة. قال: ما هي؟
قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: 
«ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل» 
أخرجه البخاري.

فالذي ينبغي للمسلم أن يحاسب نفسه ماذا قدم لها في ما مضى من عمره:
قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد)

قال ابن كثير رحمه الله: (أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخر تم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم).
فسبحـان الله !!!!!

كيف يفرح العاقل بقطع الليالي والأيام؟؟ دون اعتبار ولاحساب لما كان فيها، وما يكون بعدها 

فإن اللبيب الموفق من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده.

انقضى العام الهجري بختام هو الاروع في حياة الامة الاسلامية، وهو موسم الحج الذي يجتمع الناس فيه على صعيد واحد ملبين نداء الحق سبحانه وتعالى حيث دعاهم لحج بيته الحرام، في تجرد من الدنيا وادرانها، انفض العام الهجري وهو الذي يبدأ في اول شهوره بذكرى يوم عاشوراء وهو يوم من افضل ايام السنة، ومابين عاشوراء والحج تأتي ذكرى الاسراء والمعراج وصيام شهر رمضان والعيدان الفطر والاضحى، وكلها مواسم عبادية عظيمة يجب على المسلم ان يغتنمها على خير وجه لما فيها من الخير العظيم، 

فماذا حصلنا من هذه المناسبات؟
أخي المسلم الحبيب: 
هل خلوت بنفسك يوما فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال؟... وهل حاولت يوما أن تعد سيئاتك كما تعد حسناتك؟... بل هل تأملت يوما طاعتك التي تفتخر بذكرها؟... 
فإن وجدت أن كثيرا مشوبا بالرياء والسمعة وحظوظ النفس فكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟ 
وكيف القدوم على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟ 

قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم) 
وقال تعالى: «وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ»، 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). 

عبادة وخشية، وقد مدح الله تعالى أهل طاعته: 
(إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ 
فقال «لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات».

أخي المسلم: هكذا كان سلفنا الكرام يتقربون إلى الله بالطاعات ويسارعون إليه بأنواع القربات ويحاسبون أنفسهم على الزلات ثم يخافون ألا يتقبل الله أعمالهم.

فهذا الصديق رضي الله عنه: كان يبكي كثيرا، ويقول: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، وقال: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد.

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قرأ سورة الطور حتى بلغ قوله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع) فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء؟؟ وقال ابن عباس رضي الله عنه ما مصر الله بك الأمصار وفتح بك الفتوح وفعل وفعل، فقال عمر: وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر؟؟

وهذا عثمان بن عفان ذو النورين رضي الله عنه: كان إذا وقف على القبر بكى حتى تبللت لحيته وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير؟؟

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان كثير البكاء والخوف، والمحاسبة لنفسه وكان يشتد خوفه من اثنين: طول الأمل، واتباع الهوى، قال: 
فأما طول الأمل فينسي الآخرة، واما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
فأين نحن يا أمة الإسلام من سلفنا الصالح.

ختام العام
هذه كلمة للشيخ محمد بن صالح العثيمين في نهاية العام الهجري 
(من سلسلة لقاء الباب المفتوح) قال رحمه الله:
لعل من المناسب جداً أن يختم الإنسان عامه بالتدبر والتأمل والتفكر في ما عمل وفي ما يعمل فإن كان قد أصاب وأجاد؛ فليحمد الله على ذلك، وليسأله المزيد من فضله، وإن كان قد فرط؛ فليستدرك، فإن كان في ترك واجب يمكن تلافيه فليفعل، وإذا كان في ترك واجب لا يمكن تلافيه فليستغفر الله تعالى مما حصل، وإن كان في فعل محرم فليستغفر الله وليتُب؛ لِيُفَكِّر! 
أقول قولي هذا وأنا أشدُّكم تفريطاً؛ لكني أسأل الله العافية والتوفيق
إنه ينبغي للإنسان أن يفكر تفكيراً جِدِّياً، وإذا كان التجار الذين يسعون في الدنيا لكسب الربح يراجعون دفاترهم في كل عام ينظرون ما الداخل وما الخارج، فلماذا لا يعمل المتاجرون مع الله عز وجل كما يعمل هؤلاء، فإن العمل في عبادة الله هو تجارة في الواقع يقول الله عز وجل (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) الصف(10-11)
فجعل الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله جعلها تجارة وهي حقيقة تجارةٌ، هي التجارة الرابحة، أما الدنيا فتجارتها وإن زادت فقد تكون نقصاً.
أسأل #الله تعالى أن يرزقني وإياكم اغتنام الأوقات بما يقرب إليه، وأن يعفو عنا ما فرطناه في واجبه، وأن يتجاوز عنا سيئاتنا إنه على كل شيء قدير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق